فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)}
لما ذكر يوسف عليه السلام رؤياه لأبيه عَلِمَ يعقوبُ عليه السلام صِدْقَ تعبيرها، ولذلك كان دائم التذكُّر ليوسف مدةَ غيبته، وحين تطاولتْ كان يَذْكُرُه حتى قالوا: {تَاْللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] فقال: {إِنِى أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [يوسف: 96] فهو كان على ثقةٍ من صِدْقِ رؤياه.
فإنْ قيل: فإذا كان الصبيُّ لا حُكْم لِفْعلِه فكيف يكون حكم لرؤياه؟ وما الفرق؟ فيقال: إن الفعل بتَعَمُّدٍ يحصل فيكون مُعْرَّضًا لتقصير فاعله، أمَّا الرؤيا فلا تكون بتعمد منه فتنسب إلى نقصان.
ويقال إنَّ حقَّ السِّرِّ ولو كان على مَنْ هو قريب منك؛ فإن يوسف لما أظهر سِرَّ رؤياه على أبيه اتصل به البلاءُ.
{قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)}
إذا جاء القضاءُ لا ينفع الوعظ والحذر؛ فإن النصيحة والحذر لا يزيدان على ما نصح يعقوب ليوسف عليهما السلام، ولكن لمَّا سبق التقديرُ في أمر يوسف عليه السلام حصل ما حصل.
ويقال إن يوسف خَالَفَ وصية أبيه في إظهارِ رؤياه إذ لو لم يُظْهِرْها لما كادوا له، فلا جَرَم بسبب مخالفته لأبيه- وإن كان صبيًا صغيرًا- لم يَعْرَ مِنَ البلايا.
ويقال لما رأى يوسف في منامه ما كان تأويلُه سجودَ الأخوة له رأى ما تعبيره: وسجود أبيه وخالته حيث قال تعالى: {وَالْشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ}؛ فدخل الإخوة الحَسَدَ أما الأب فلم يدخله إلا بنفسه لِفَرْطِ شفقة الأبوة.
ويقال صَدَقَ تعبيره في الإخوة فسجدوا له حيث قال: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} [يوسف: 100] ولم يسجد الأبُ ولا خالته حيث قال: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] فإن يوسفَ صانَهما عن ذلك مراعاةً لحشمة الأبوة.
قوله جلّ ذكره: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ}.
أي كما أمرك بهذه الرؤيا التي أَرَاكَها يجتبيك ويُحْسِنُ إليك بتحقيق هذه الرؤيا، وكما أكرمك بوعد النعمة أكرمك بتحقيقها.
ويقال الاجتباء ما ليس للمخلوق فيه أثر، فما يحصل للعبد من الخيرات- لا بتكلفه ولا بتعمده- فهو قضية الاجتباء.
ويقال من الاجتباء المذكور أَنْ عَصَمَه عن ارتكاب ما راودته امرأة العزيز عن نفسه.
ويقال من قضية الاجتباء إسباله الستر على فعل إخوته حيث قال: {وَقَدْ أْحْسَنَ بِى إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ الْسِّجْنِ} [يوسف: 100]، ولم يذكر خلاصَه من البئر ومن قضية الاجتباء توفيفه لسرعة العفو عن إخوته حيث قال: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف: 92].
قوله جلّ ذكره: {وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ}.
أي لتعرفَ قَدْرَ كلَّ احد، وتقفَ على مقدار كلِّ قائلٍ بما تسمع من حديثه.. لا مِنْ قوله بل لِحدَّةِ كياستك وفَرْطِ فراستك.
قوله جلّ ذكره: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أتَمَّهَا عَلَى أبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحَق إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
مِنْ إتمامِ النعمة توفيقُ الشكر على النعمة، ومن إتمام النعمة صَوْنُها عن السَّلبِ والتغيير، ومن إتمام النعمة التَّحرز منها حتى تَسْهُلَ عليكَ السماحةُ بها. اهـ.

.تفسير الآيات (7- 8):

قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان ذلك، توقع السامع له ما يكون بينه وبين إخوته هل يكتمهم الرؤيا أو يعلمهم بها؟ وعلى كلا التقديرين ما يكون؟ فقال جوابًا لمن كأنه قال: ما كان من أمرهم؟- مفتتحًا له بحرف التوقع والتحقيق بعد لام القسم تأكيدًا للأمر وإعلامًا بأنه على أتقن وجه-: {لقد كان} أي كونًا هو في أحكم مواضعه: {في يوسف وإخوته} أي بسبب هذه الرؤيا وما كان من تأويلها وأسباب ذلك: {آيات} أي علامات عظيمة دالات على وحدانية الله تعالى ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم وغير ذلك مما تضمنته القصة: {للسائلين} أي الذين يسألون عنها من قريش واليهود وغيرهم، وآيات عظمة الله وقدرته في تصديق رؤيا يوسف عليه الصلاة والسلام ونجاته ممن كاده وعصمته وإعلاء أمره، والمراد بإخوته هنا العشرة الذين هم من أبيه وهم: روبيل وشمعان- بمعجمة أوله، ولاوي، ويهوذا، وزيلون- بزاي وموحدة، وإيساخار، بهمزة مكسورة وتحتانية وسين مهملة وخاء معجمة، ودان- بمهملة، وجاد بجيم.
بينها وبين الكاف، وآشير- بهمزة ممدودة وشين معجمة ثم تحتانية ومهملة.
ونفتالي- بنون مفتوحة وفاء ساكنة ومثناة فوقانية ولام بعدها ياء.
وشقيقه بنيامين- بضم الموحدة، هكذا ذكرهم في التوراة، وحررت التلفظ بهم من العلماء بها، وقد تقدم ذلك في البقرة بزيادة.
والآية: الدلالة على ما كان من الأمور العظيمة، ومثلها العلامة والعبرة، والحجة أخص منها، لأنها معتمد البينة التي توجب الثقة بصحة المعنى الذي فيه أعجوبة.
ولما تقرر ذلك، ابتدأ بذكر الآيات الواقعة في ظرف هذا الكون فقال: {إذ قالوا} أي كان ذلك حين قال الإخوة بعد أن قص الرؤيا عليهم وسوّل لهم الشيطان- كما ظن يعقوب عليه الصلاة والسلام- مقسمين دلالة على غاية الاهتمام بهذا الكلام، وأنه مما حركهم غاية التحريك، أو هي لام الابتداء المؤكدة المحققة لمضمون الجملة: {ليوسف وأخوه} أي شقيقه بنيامين: {أحب} وحددا لأن أفعل ما يستوي فيه الواحد وما فوقه مذكرًا كان أو مؤنثًا إذا لم يعرف أو يضف: {إلى أبينا منا} أي يحبهما أكثر مما يحبنا؛ والحب: ميل يدعو إلى إرادة الخير والنفع للمحبوب بخلاف الشهوة، فإنها ميل النفس ومنازعتها إلى ما فيه لذتها: {و} الحال أنا: {نحن عصبة} أي أشداء في أنفسنا ويشد بعضنا بعضًا، وأما هما فصغيران لا كفاية عندهما؛ والعصبة من العشرة إلى الأربعين، فكأنه قيل: فكان ماذا؟- على تقدير أن يكونا أحب إليه، فقالوا مؤكدين لأن حال أبيهما في الاستقامة والهداية داع إلى تكذيبهم: {إن أبانا لفي ضلال} أي ذهاب عن طريق الصواب في ذلك: {مبين} حيث فضلهما علينا، والقرب المقتضي للحب في كلنا واحد، لأنا في البنوة سواء، ولنا مزية تقتضي تفضيلنا، وهي أنا عصبة، لنا من النفع له والذب عنه والكفاية ما ليس لهما؛ قال الإمام أبو حيان: وأحب أفعل التفضيل، وهو مبني من المفعول شذوذًا، ولذلك عدي بإلى لأنه إذا كان ما تعلق به فاعلًا من حيث المعنى عدي إليه بإلى وإذا كان مفعولًا عدي إلية بفي، تقول زيد أحب إلى عمرو من خالد، فالضمير في أحب مفعول من حيث المعنى، وعمرو هو المحب، وإذا قلت: زيد أحب في عمرو من خالد، كان الضمير فاعلًا وعمرو هو المحبوب، ومن خالد- في المثال الأول محبوب، وفي المثال الثاني فاعل، قال: والضلال هنا هو الهدى- قاله ابن عباس- رضى الله عنهما- انتهى. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ} في هذه الآية مسائل:
المسألة الأولى:
ذكر صاحب الكشاف أسماء إخوة يوسف: يهودا، روبيل، شمعون لاوي، ربالون، يشجر، دينة، دان، نفتالي، جاد، آشر.
ثم قال: السبعة الأولون من ليا بنت خالة يعقوب والأربعة الآخرون من سريتين زلفة وبلهة، فلما توفيت ليا تزوج يعقوب أختها راحيل فولدت له بنيامين ويوسف.
المسألة الثانية:
قوله: {لّلسَّائِلِينَ إِذْ} قرأ ابن كثير آية بغير ألف حمله على شأن يوسف والباقون: {ءايات} على الجمع لأن أمور يوسف كانت كثيرة وكل واحد منها آية بنفسه.
المسألة الثالثة:
ذكروا في تفسير قوله تعالى: {لّلسَّائِلِينَ إِذْ} وجوهًا: الأول: قال ابن عباس دخل حبر من اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع منه قراءة يوسف فعاد إلى اليهود فأعلمهم أنه سمعها منه كما هي في التوراة، فانطلق نفر منهم فسمعوا كما سمع، فقالوا له من علمك هذه القصة؟ فقال: الله علمني، فنزل: {لَّقَدْ كَانَ في يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ءايات لّلسَّائِلِينَ} وهذا الوجه عندي بعيد، لأن المفهوم من الآية أن في واقعة يوسف آيات للسائلين وعلى هذا الوجه الذي نقلناه ما كانت الآيات في قصة يوسف، بل كانت الآيات في أخبار محمد صلى الله عليه وسلم عنها من غير سبق تعلم ولا مطالعة وبين الكلامين فرق ظاهر.
والثاني: أن أهل مكة أكثرهم كانوا أقارب الرسول عليه الصلاة والسلام وكانوا ينكرون نبوته ويظهرون العداوة الشديدة معه بسبب الحسد فذكر الله تعالى هذه القصة وبين أن إخوة يوسف بالغوا في إيذائه لأجل الحسد وبالآخرة فإن الله تعالى نصره وقواه وجعلهم تحت يده ورايته، ومثل هذه الواقعة إذا سمعها العاقل كانت زجرًا له عن الإقدام على الحسد والثالث: أن يعقوب لما عبر رؤيا يوسف وقع ذلك التعبير ودخل في الوجود بعد ثمانين سنة فكذلك أن الله تعالى لما وعد محمدًا عليه الصلاة والسلام بالنصر والظفر على الأعداء، فإذا تأخر ذلك الموعود مدة من الزمان لم يدل ذلك على كون محمد عليه الصلاة والسلام كاذبًا فيه فذكر هذه القصة نافع من هذا الوجه.
الرابع: أن إخوة يوسف بالغوا في إبطال أمره، ولكن الله تعالى لما وعده بالنصر والظفر كان الأمر كما قدره الله تعالى لا كما سعى فيه الأعداء، فكذلك واقعة محمد صلى الله عليه وسلم فإن الله لما ضمن له إعلاء الدرجة لم يضره سعي الكفار في إبطال أمره.
وأما قوله: {لّلسَّائِلِينَ} فاعلم أن هذه القصة فيها آيات كثيرة لمن سأل عنها، وهو كقوله تعالى: {فِى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لّلسَّائِلِينَ} [فصلت: 10].
ثم قال تعالى: {إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
قوله: {لِيُوسُفَ} اللام لام الابتداء، وفيها تأكيد وتحقيق لمضمون الجملة.
أرادوا أن زيادة محبته لهما أمر لا شبهة فيه وأخوه هو بنيامين، وإنما قالوا أخوه، وهم جميعًا إخوة لأن أمهما كانت واحدة والعصبة والعصابة العشرة فصاعدًا، وقيل إلى الأربعين سموا بذلك لأنهم جماعة تعصب بهم الأمور، ونقل عن علي عليه السلام أنه قرأ: {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} بالنصب قيل: معناه ونحن نجتمع عصبة.
المسألة الثانية:
المراد منه بيان السبب الذي لأجله قصدوا إيذاء يوسف، وذلك أن يعقوب كان يفضل يوسف وأخاه على سائر الأولاد في الحب وأنهم تأذوا منه لوجوه: الأول: أنهم كانوا أكبر سنًا منهما.
وثانيها: أنهم كانوا أكثر قوة وأكثر قيامًا بمصالح الأب منهما.
وثالثها: أنهم قالوا إنا نحن القائمون بدفع المفاسد والآفات، والمشتغلون بتحصيل المنافع والخيرات.
إذا ثبت ما ذكرناه من كونهم متقدمين على يوسف وأخيه في هذه الفضائل، ثم إنه عليه السلام كان يفضل يوسف وأخاه عليهم لا جرم قالوا: {إِنَّ أَبَانَا لَفِى ضلال مُّبِينٍ} يعني هذا حيف ظاهر وضلال بين.
وههنا سؤالات:
السؤال الأول: إن من الأمور المعلومة أن تفضيل بعض الأولاد على بعض يورث الحقد والحسد، ويورث الآفات، فلما كان يعقوب عليه السلام عالمًا بذلك فلم أقدم على هذا التفضيل وأيضًا الأسن والأعلم والأنفع أفضل، فلم قلب هذه القضية؟
والجواب: أنه عليه السلام ما فضلهما على سائر الأولاد إلا في المحبة، والمحبة ليست في وسع البشر فكان معذورًا فيه ولا يلحقه بسبب ذلك لوم.
السؤال الثاني: أن أولاد يعقوب عليه السلام إن كانوا قد آمنوا بكونه رسولًا حقًا من عند الله تعالى فكيف اعترضوا عليه، وكيف زيفوا طريقته وطعنوا في فعله، وإن كانوا مكذبين لنبوته فهذا يوجب كفرهم.
والجواب: أنهم كانوا مؤمنين بنبوة أبيهم مقرين بكونه رسولًا حقًا من عند الله تعالى، إلا أنهم لعلهم جوزوا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن يفعلوا أفعالًا مخصوصة بمجرد الاجتهاد، ثم إن اجتهادهم أدى إلى تخطئة أبيهم في ذلك الاجتهاد، وذلك لأنهم كانوا يقولون هما صبيان ما بلغا العقل الكامل ونحن متقدمون عليهما في السن والعقل والكفاية والمنفعة وكثرة الخدمة والقيام بالمهمات وإصراره على تقديم يوسف علينا يخالف هذا الدليل.
وأما يعقوب عليه السلام فلعله كان يقول: زيادة المحبة ليست في الوسع والطاقة، فليس لله علي فيه تكليف.
وأما تخصيصهما بمزيد البر فيحتمل أنه كان لوجوه: أحدها: أن أمهما ماتت وهما صغار.
وثانيها: لأنه كان يرى فيه من آثار الرشد والنجابة ما لم يجد في سائر الأولاد، وثالثها: لعله عليه السلام وإن كان صغيرًا إلا أنه كان يخدم أباه بأنواع من الخدم أشرف وأعلى بما كان يصدر عن سائر الأولاد، والحاصل أن هذه المسألة كانت اجتهادية، وكانت مخلوطة بميل النفس وموجبات الفطرة، فلا يلزم من وقوع الاختلاف فيها طعن أحد الخصمين في دين الآخر أو في عرضه.
السؤال الثالث: أنهم نسبوا أباهم إلى الضلال المبين، وذلك مبالغة في الذم والطعن، ومن بالغ في الطعن في الرسول كفر، لاسيما إذا كان الطاعن ولدًا فإن حق الأبوة يوجب مزيد التعظيم.
والجواب: المراد منه الضلال عن رعاية المصالح في الدنيا لا البعد عن طريق الرشد والصواب.
السؤال الرابع: أن قولهم: {لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} محض الحسد، والحسد من أمهات الكبائر، لاسيما وقد أقدموا على الكذب بسبب ذلك الحسد، وعلى تضييع ذلك الأخ الصالح وإلقائه في ذل العبودية وتبعيده عن الأب المشفق، وألقوا أباهم في الحزن الدائم والأسف العظيم، وأقدموا على الكذب فما بقيت خصلة مذمومة ولا طريقة في الشر والفساد إلا وقد أتوا بها، وكل ذلك يقدح في العصمة والنبوة.
والجواب: الأمر كما ذكرتم، إلا أن المعتبر عندنا عصمة الأنبياء عليهم السلام في وقت حصول النبوة.
وأما قبلها فذلك غير واجب والله أعلم. اهـ.